النبي وأميرالمؤمنين علي المنبر











النبي وأميرالمؤمنين علي المنبر[1]



.

وحان الوقت الموعود ونادي منادي الرسول صلي الله عليه و آله، فخرج المسلمون من الخيام واصطفوا للصلاة، وخرج النبي صلي الله عليه و آله من خيمته وصلي بهم صلاة الظهر.

[صفحه 24]

ورقي النبي صلي الله عليه و آله المنبر ووقف علي مرقاته الأخيرة، ثم دعا بأميرالمؤمنين عليه السلام وأمره أن يصعد المنبر ويقف إلي يمينه. فجاء أميرالمؤمنين عليه السلام ووقف علي المنبر أدني من موقف النبي صلي الله عليه و آله بمرقاة بحيث وضع النبي صلي الله عليه و آله يده علي کتفه.

ثم ألقي النبي صلي الله عليه و آله ببصره الشريف يميناً وشمالاً يتفحص ذلک الحشد الکبير من الناس وانتظر هنيئة کيما يصغي الناس بأسرهم. وکانت النساء في جانب من ذلک المکان يسمعن النبي صلي الله عليه و آله ويشاهدنه.

وشرع النبي صلي الله عليه و آله في خطبته التاريخية، آخر خطبة رسمية له إلي العالم أجمع، التي لم يذکر التاريخ خطبة لنبي من الأنبياء عبر التاريخ مثلها في مثل هذا الحشد المهيب.

وبدأ النبي صلي الله عليه و آله باسم اللَّه تعالي وأخذ يرتِّل قصيدة نبوية في حمد اللَّه تعالي والثناء عليه... ويشهد اللَّه والناس علي عبوديته المطلقة لربه العظيم.

ثم قال لهم: إن اللَّه عزوجل بعثني برسالة فضقت بها ذرعاً وخفت الناس أن يکذبوني؛ فقلت في نفسي من غير أن ينطق به لساني: أمتي حديثو عهد بالجاهلية، ومتي أخبرتهم بهذا في ابن عمي يقول قائل ويقول قائل! فأتتني عزيمة من اللَّه بتلة قاطعة في هذا المکان، وتواعدني إن لم أبلغها ليعذبني. وقد ضمن لي تبارک وتعالي العصمة من الناس، وهو الکافي الکريم؛ فأوحي إليَّ: «يا أيها الرسول، بلغ ما أنزل اليک من ربک وان لم تفعل فما بلغت رسالته واللَّه يعصمک من الناس،ان اللَّه لايهدي القوم الکافرين».

[صفحه 25]

ثم قال صلي الله عليه و آله: لا إله إلا هو، لايؤمن مکره ولايخاف جوره. أقِرُّ له علي نفسي بالعبودية وأشهد له بالربوبية، وأؤدي ما أوحي إليَّ، حذراً من أن لا أفعل فتحلَّ بي منه قارعةٌ لايدفعها عني أحدٌ، وإن عظمت حيلته. أيها الناس، إني أوشک أن أُدعي فأجيب، فما أنتم قائلون؟

فقالوا: نشهد أنک قد بلغت ونصحت.

فقال صلي الله عليه و آله: أليس تشهدون أن لا إله إلا اللَّه، وأن محمداً رسول اللَّه، وأن الجنة حقٌ وأن النار حقٌ وأن البعث حق؟

قالوا: يا رسول اللَّه، بلي.

فأومأ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله إلي صدره وقال: وأنا معکم.

ثم قال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله: أنا لکم فرط، وأنتم واردون عليَّ الحوض؛ وسِعته ما بين صنعاء الي بصري؛ فيه عدد الکواکب قِدْحان؛ ماؤه أشد بياضاً من الفضة... فانظروا کيف تخلفوني في الثقلين.

فقام رجل فقال: يا رسول اللَّه، وما الثقلان؟

قال صلي الله عليه و آله: الأکبر کتاب اللَّه، طرفه بيد اللَّه وسبب طرفه بأيديکم، فاستمسکوا به ولاتزلُّوا ولاتضلوا؛ والأصغر عترتي أهل بيتي. أُذکِّرکم اللَّه في أهل بيتي، أُذکِّرکم اللَّه في أهل بيتي، أُذکِّرکم اللَّه في أهل بيتي. وإنهما لن يفترقا حتي يردا عليَّ الحوض. سألت ربي ذلک لهما؛ فلا تقدِّموهم فتهلکوا؛ ولا تتخلفوا عنهم فتضلوا؛ ولا تعلِّموهم فإنهم أعلم منکم. أيها الناس، ألستم تعلمون أن اللَّه عزوجل مولاي، وأنا مولي المؤمنين، وأني أولي بکم من أنفسکم؟

قالوا: بلي يا رسول اللَّه.

[صفحه 26]

قال صلي الله عليه و آله: «قم يا علي». فقام علي عليه السلام، وأقامه النبي صلي الله عليه و آله عن يمينه وأخذ بيده ورفعها حتي بان بياض إبطيهما وقال: «من کنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله، وأدِر الحق معه حيث دار. فاعلموا معاشر الناس أن اللَّه قد نصبه لکم ولياً واماماً مفترضاً طاعته علي المهاجرين والأنصار، وعلي التابعين لهم باحسان، وعلي البادي والحاضر، وعلي الأعجمي والعربي، والحر والمملوک والصغير والکبير».

فقام أحدهم فسأله وقال: يا رسول اللَّه، ولاؤه کما ذا؟

فقال صلي الله عليه و آله: ولاؤه کولائي، من کنت أولي به من نفسه فعلي أولي به من نفسه!

وأفاض النبي صلي الله عليه و آله في بيان مکانة علي عليه السلام والعترة الطاهرة والأئمة الاثني عشر من بعده: علي والحسن والحسين وتسعة من ذرية الحسين عليهم السلام، واحدٌ بعد واحد، الذين هم مع القرآن والقرآن معهم، لا يفارقونه ولا يفارقهم، حتي يردوا عليَّ حوضي...

ثم أشهد المسلمين مراتٍ أنه قد بلغ عن ربه... فشهدوا له.

وأمرهم أن يبلغ الشاهد الغائب... فوعدوه وقالوا: نعم.

وقام إليه آخرون فسألوه... فأجابهم...

وما أن أتم خطبته حتي نزل جبرئيل بقوله تعالي «اليوم أکملت لکم دينکم وأتممت عليکم نعمتي ورضيت لکم الاسلام ديناً». فکبَّر رسول اللَّه صلي الله عليه و آله وقال: اللَّه أکبر علي إکمال الدين وإتمام النعمة ورضي الرب برسالتي وولاية علي بعدي...

هذا ملخص الخطبة المبارکة و سنعطيک تفصيلها إن شاء اللَّه.

[صفحه 28]


صفحه 24، 25، 26، 28.








  1. بحارالأنوار: ج 21 ص 387، ج 37 ص 209. عوالم العلوم: ج 3:15 ص 301 97 44. إثبات الهداة: ج 2 ص 267 ح 391 387. إحقاق الحق: ج 21 ص 57 53.