الوحي يوقف القافلة النبوية عند الغدير











الوحي يوقف القافلة النبوية عند الغدير[1]



.

تحرَّکت القافلة العظيمة يوم الخميس الخامس عشر من ذي الحجة، فبعد الخروج من مکة وصلوا إلي «سَيْرَف» ومن هناک إلي «مرّ الظهران» ثم إلي «عسفان» ومنها إلي «قُدَيْد» حيث وصلوا «کراع الغميم» علي مقربة من الجحفة الذي يقع «غدير خم» في أحد جوانبها.

رحل النبي صلي الله عليه و آله من مکة وهو ناوٍ أن يکون أول عمل يقوم به إعلان ولاية عترته، کما أمره ربه تعالي في وقت يأمن فيه الخلاف منهم عليه، وعلم اللَّه عزوجل أنه إن تجاوز غدير خم انفصل عنه کثير من الناس إلي بلدانهم وأماکنهم وبواديهم.

وقبيل الظهر من يوم الإثنين في الثامن عشر من ذي الحجة ولدي وصولهم إلي منطقة «غدير خم» جاءه جبرئيل لخمس ساعات مضت من النهار وقال له: يا محمد، إن اللَّه عزوجل يقرؤک السلام ويقول لک: «يا أيها الرسول، بلِّغ ما أنزل اليک من ربک، وان لم تفعل فما بلغت رسالته، واللَّه يعصمک من الناس، ان اللَّه لايهدي القوم الکافرين».[2] .

فتسمَّر النبي صلي الله عليه و آله في مکانه وأصدر أمره إلي المسلمين بالتوقف وغيَّر مسيره إلي جهة اليمين وتوجَّه نحو الغدير وقال: «أيها الناس، أجيبوا داعي اللَّه، أنا رسول اللَّه».

[صفحه 21]

ثم قال: «أنيخوا ناقتي، فواللَّه ما أبرح من هذا المکان حتي أبلغ رسالة ربي»؛ وأمرهم أن يردُّوا من تقدَّم من المسلمين ويوقفوا من تأخَّر منهم حين يصلون إليه.

وبعد أن صدر الأمر النبوي المذکور توقَّفت القافلة کلها، ورجع منهم من تقدم ونزل الناس في منطقة الغدير، وأخذ کل فرد يتدبَّر أمر إقامته هناک حيث نصبوا خيامهم وسکن الضجيج تدريجياً.

وشهدت الصحراء لأول مرة ذلک الاجتماع العظيم من الناس، وقد زاد من عظمته حضور الأنوار الخمسة المقدسة: النبي الأکرم وأميرالمؤمنين وفاطمة الزهراء والحسن والحسين عليهم السلام؛ وقد اشترک في ذلک التجمع الجماهيري الرجال والنساء من مختلف الأقوام والقبائل والمناطق، وبدرجات متفاوتة من الإيمان، انتظاراً لخطبة النبي الأکرم صلي الله عليه و آله.

ونزل الرسول صلي الله عليه و آله عن ناقته وحطَّ رحال النبوة عند غدير خُمٍّ، وکان جبرئيل إلي جانبه ينظر إليه نظرة الرضا، وهو يراه يرتجف من خشية ربه وعيناه تدمعان خشوعاً وهو يقول: «تهديدٌ ووعدٌ ووعيدٌ... لأمضين في أمر اللَّه. فان يتَّهموني ويکذِّبوني فهو أهون عليَّ من أن يعاقبني العقوبة الموجعة في الدنيا والآخرة»!

وکانت حرارة الصحراء ووهج الشمس من القوة والشدة بحيث أن الناس- ومنهم النبي الأکرم صلي الله عليه و آله- وضعوا قسماً من ردائهم علي رؤوسهم والقسم الآخر تحت أقدامهم، وقد بلغ الأمر لدي البعض أن لفُّوا عباءتهم حول أقدامهم من شدة حرارة أرض الصحراء!

[صفحه 22]


صفحه 21، 22.








  1. بحارالأنوار: ج 21 ص 387، ج 37 ص 173 و 203 و 204، ج 98 ص 298. عوالم العلوم: ج 15:3 ص 50 و 60 و 79 و 80 و 301. الغدير: ج 1 ص 10 و 22. مدينة المعاجز: ص 128. الفصول المهمة: ص 24 و 125.
  2. سورة المائدة: الآية 67.