الرسول الأكرم يعرفهم











الرسول الأکرم يعرفهم



الرسول والمتآمرون

ونحن إذا رجعنا إلي کلمات الرسول الأعظم (صلي الله عليه وآله وسلم)، المنقولة لنا بصور متعددة، وفي موارد مختلفة، فإننا نجد، أنه (صلي الله عليه وآله وسلم) کان يؤکد علي معرفته بنوايا المتآمرين من قومه قريش تجاه أهل بيته عموماً، وأمير المؤمنين علي (عليه السلام) بصورة خاصة، وقد تقدم عنه (صلي الله عليه وآله وسلم) بعض من ذلک، وما ترکناه أکثر من أن يحاط به بسهولة، ويسر، لکثرته، وتنوعه.

ويکفي أن نذکر هنا: أن تأخيره إبلاغ ما أنزل غليه في شأن الإمامة والولاية، قد کان بسبب المعارضة الکبيرة التي يجدها لدي قريش، التي کانت لا تتورع عن إتهام شخص الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم)، والطعن في نزاهته، وفي خلوص عمله ونيته.

وقد صلحت طائفة من النصوص المتقدمة بأن قريشاً کانت رائدة هذا الإتجاه، وهي التي تتصدي وتتحدي، وإليک نموذجا أخر من تصريحات الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) الدالة علي معرفته بهؤلاء المتآمرين، ووقوفه علي حقيقة نواياهم في خصوص هذا الأمر. وبالنسبة لقضية الغديربالذات.

أمثلة وشواهد

1- قال الطبرسي: "قد اشتهرت الروايات عن أبي جعفر، وأبي عبدالله (عليهما السلام): أن الله أوحي إلي نبيه (صلي الله عليه وآله وسلم): أن يستخلف علياً (عليه السلام)، فکان يخاف أن يشق ذلک جماعة من أصحابه، فأنزل الله هذه الآية تشجيعاً له علي القيام بما أمره الله بأدائه.......".[1] .

والمراد ب "هذه الآية" قوله تعالي: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليک من ربک.........).

2- عنه (صلي الله عليه وآله وسلم): أنه لما أمر بإبلاغ أمر الإمامة قال: "إن قومي قريبة اعهد بالجاهلية، وفيهم تنافس وفخر، وما منهم رجل إلا وقد وتره وليّهم، وإني أخاف، فأنزل الله: (يا أيّها الرسول بلّغ......).[2] .

3- عن ابن عباس إنّه (صلي الله عليه وآله وسلم) قال في غدير خم: "إن الله أرسلني إليکم برسالة وإني ضقت بها ذرعاً، مخافة أن تتهموني، وتکذبوني، حتي عاتبني ربي بوعيد أنزله علي بعد وعيد.......".[3] .

4- عن الحسن أيضاً: "إن الله بعثني برسالة، فضقت بها ذرعاً، وعرفت: أن الناس مکذبي، فوعدني لأبلغنّ أوليعذبني، فإنزل الله: (يا أيها الرسول بلّغ ما أنزل إليک......)".[4] .

5- عن ابن عباس، وجابر الأنصاري، قالا: أمر الله تعالي محمداً (صلي الله عليه وآله وسلم): أن ينصب علياً للناس، فيخبرهم بولايته، فتخوف النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) أن يقولوا: حابي ابن عمه، وأن يطعنوا في ذلک فأوحي الله: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليک.........).[5] .

6- عن جابر نن عبد الله: أن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) نزل بخم، فتنحي الناس عنه، ونزل معه علي بن أبي طالب، فشقّ علي النبي تأخر الناس، فأمر علياً فجمعهم،فلمّا اجتمعوا قام فيهم، متوسد (يد) علي بن أبي طالب،فحمد الله، واثني عليه، ثم قال: "قال الناس، إنه قد کرهت تخلفکم عني حتي خيّل إلي: أنه ليس شجرة أبغض إليکم من شجرة تليني......".[6] .

7- ويقول نص آخر: إنه لما أمر (صلي الله عليه وآله وسلم) بنصب علي (عليه السلام): "خشي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) من قومه، وأهل النفاق، والشقاق: أن يتفرقوا ويرجعوا جاهلية لما عرف من عداوتهم، ولما ينطوي عليه أنفسهم لعلي (عليه السلام) من العدواة والبغضاء، وسأل جبرئيل ان يسأل ربّه العصمة من الناس".

ثم تذکر الرواية: "أنه انتظر ذلک حتي بلغ مسجد الخيف.فجاءه جبرئيل، فأمره بذلک مرة أخري، ولم يأته بالعصمة، ثم جاء مرة أخري في کراع الغميم- موضع بين مکة والمدينة- وأمره بذلک، ولکنه لم يأته بالعصمة.

ثم لما بلغ عدير خم جاءه بالعصمة، فخطب (صلي الله عليه وآله وسلم) الناس، فأخبرهم: أن جبرئيل هبط إليه ثلاث مرات يأمره عن الله تعالي، بنصب علي (عليه السلام) إماماً ووليّاً للناس- إلي أن قال:- وسألت جبرئيل: ان يستعفي لي عن تبليغ ذلک إليکم- ايها الناس- لعلمي بقلة المتقين، وکثرة المنافقين، وإدغال الآثمين، وختل المستهزئين بالاسلام، الذين وصفهم الله في کتاله بأنهم: يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، ويحسبونه هيناً، وهو عند الله عظيم. وکثرة أذاهم لي في غير مرّة، حتي سمّوني أذناً، وزعموا: أنّي کذلک لکثرة ملازمته إيّاي، وإقبالي عليه، حتي أنزل الله عز وجل في ذلک قرآناً: (ومنهم الذين يؤذون النبي، ويقولون هو أذن)......

إلي أن قال، ولو شئت أن أسميهم باسمائهم لسميت، وأن أومي إليهم بأعيانهم لأومأت، وأن أدل عليهم لفعلت. ولکني والله في أمورهم تکرّمت. ......[7] .

8- عن مجاهد، قال: "لما نزلت: (بلّغ ما أنزل إليک من ربک ). قال: يا رب، إنما أنا واحد کيف أصنع، يجتمع عليّ الناس؟ فنزلت (وإن لم تفعل فما بلغت رسالته)".[8] .

9- قال إبن رستم الطبري: "فلما قضي حجة وصار بغدير خم، وذلک يوم الثامن عشر من ذي الحجة، أمره الله عز وجل بإظهار أمر علي، فکأنه أمسک لما عرف من کراهة الناس لذلک، إشفاقاً علي الدين، وخوفاً من ارتداد القوم، فأنزل الله (يا أيها الرسول بلّغ ما أنزل إليک....).[9] .

10- وفي حديث مناشدة علي (عليه السلام) للناس بحديث الغدير، أيّام عثمان، شهد ابن أرقم، والبراء بن عزب، وأبو ذر، والمقداد، أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم قال، وهو قائم علي المنبر، وعلي (عليه السلام) إلي جنبه:

"أيها الناس، أن الله عز ودل أمرني أن أنصب لکم إمامکم، والقائم فيکم بعدي، ووصي، وخليفتي، والذي فرض الله عز وجل علي المؤمنين في کتابه طاعته، فقرب[10] بطاعته طاعتي، وأمرکم بولايته، وإني راجعت ربّي خشية طعن أهل النفاق، وتکذيبهم، فأوعدني لأبلغها، أو ليعذبني...".[11] .

وعند سليم بن قيس: "إن الله عز وجل أرسلني برسالة ضاق بها صدري، وظننت الناس يکذبوني، وأوعدني......".[12] .

11- وعن ابن عباس: لما أمر النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) أن يقوم بعلي ابن أبي طالب المقام الذي قام به، فانطلق النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) إلي مکة، فقال: رأيت الناس حديثي عهد بکفر- بجاهلية- ومتي أفعل هذا به، يقولوا: صنع هذا بابن عمّه ثم مضي حتي قضي حجة الوداع.[13] .

وعن زيد بن علي، قال: لما جاء جبرئيل بأمر الولاية ضاق النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) بذلک ذرعاً، وقال: قومي حديثوا عهد بجاهليّة، فنزلت الآية.[14] .

12- وروي: انه (صلي الله عليه وآله وسلم) لما إنتهي إلي غدير خم "نزل عليه جبرئيل، وأمره أن يقيم علياً، وينصبه إماماً للناس.فقال: إن أمتي حديثوا عهد بالجاهلية. فنزل عليه: إنها عزيمة لا رخصة فيها، ونزلت الآية: (وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمک من الناس.......).[15] .

13- وفي رواية عن الإمام الباقر (عليه السلام) جاء فيها أنه حين نزلت آية إکمال الدين بولاية علي (عليه السلام): "قال عند ذلک رسول الله: إن أمتي حديثوا عهد بالجاهلية، ومتي أخبرهم بهذا في ابن عمي، يقول قائل، ويقول قائل. فقلت في نفسي من غير أن ينطلق لساني، فأتتني عزيمة من الله بتلة أوعدني: إن لم ابلغ أن يعذبني فنزلت (يا أيها الرسول بلّغ ما أنزل إليک)".[16] .

وفي بعض الروايات: إنه (صلي الله عليه وآله وسلم) إنما أخر نصبه (عليه السلام) فرقاً من الناس، أو لمکان الناس.[17] .

ممن الخوف يا تري

14- عن: "ضاق بها ذرعاً، وکان يهاب قريشاً، فازال الله بهذه الآية تلک الهيبة".[18] .

يريد: أن الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) ضاق ذرعاً وخاف قريشاُ بالنسبة لبلاغ أمر الإمامة، فأزال الله بآية: (والله يعصمک من الناس) خوفه بذلک.

المتآمرون

هذا غيض من فيض مما يدل علي دور المتآمرين من قريش، ومن يدور في فلکها في صرف الأمر عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، وتصميمهم علي ذلک، لأسباب أشير إلي بعضها في ما نقلناه من کلمات ونصوص.

وفي مقدمة هذه الأسباب حرص قريش علي الوصول إلي السلطة، وحقدها علي أميرالمؤمنين (عليه السلام) لما قد وترها في سبيل الله والدين.

وکل ما تقدم يفسر لنا السر فيما صدر من هؤلاء الحاقدين من صخب وضجيج، حينما أراد الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) في مني وعرفات: أن يبلغ الناس أمر الإمامة، ودورها، وأهميتها، وعدد الأئمة، وأنهم إثنا عشر إماماً، وغير ذلک.

حيث قد تخوفوا من أن يکون قد أراد تنصيب علي(عليه السلام) إماماً للناس بعده.

فکان التصدي منهم. الذي انتهي بالتهديد الإلهي.

فإضطر المتآمرون إلي السکوت في الظاهر علي مضض، ولکنهم ظلوا في الباطن يمکرون، ويتآمرون، (ويمکرون ويمکر الله، والله خير الماکرين).[19] .

فإلي توضيح ذلک فيما يلي من صفحات، وما تحويه من مطالب.







  1. مجمع البيان ج 3 ص 223.
  2. شواهد التنزيل ج 1، ص 191.
  3. شواهد التنزيل ج 1 ص 193.
  4. الدر المثور ج 2، ص 193 و ص 298 عن أبي الشيخ.
  5. راجع: مجمع البيان ج 3، ص 223، وتفسير العياشي ج 1، ص 331، وتفسير البرهان ج 1، ص 489، وشواهد التنزيل ج 1، ص 192، والغدير ج 1، ص 219 و 223 و 377 عن المجمع، وعن روح المعاني ج 2، ص 348.
  6. راجع: مناقب علي بن أبي طالب: لإبن المغازلي: ص 25 والعمدة: لإبن البطريق ص 107، والغدير ج 1، ص 22 عنه وعن الثعلبي في تفسيره، کما في ضياء العالمين.
  7. الاحتجاج ج 1، ص 69 و 70 و 73 و 74، وراجع: روضة الواعظين: 90 و 92 والبرهان ج 1، ص 438-437 والغدير ج 1، ص 216-215 عن کتاب "الولاية" للطبري.
  8. الدر المنثور ج 2، ص 298 عن إبن أبي حاتم، عبد بن حميد وإبن جرير.
  9. المسترشد في إمامة علي (عليه السلام): ص 95-94.
  10. لعل الصحيح: فقرن.
  11. غرائد السمطين ج 1، ص 315 و 316، والغدير ج 1 ص 166-165 عنه، وإکمال الدين ج 1، ص 277 وراجع البرهان ج 1، ص 445 و 444 وسليم بن قيس: 149، وثمة بعض الإختلاف في التعبير.
  12. سليم بن قيس: ص 148، والبرهان ج 1، ص 444 و 445، والغدير ج 1، ص 196 عن سليم بن قيس.
  13. الغدير ج 1، ص 52-51 و 217 و 378، عن کنز العمال ج 6، ص 153 عن المحاملي في أماليه،وعن شمس الأخبار ص 38، عن أمالي المرشد بالله، وراجع کشف الغمة ج 1، ص 318 وغير ذلک.
  14. الغدير ج 1، ص 217 عن کشف الغمة ج 1، ص 317.
  15. اعلام الوري: ص 132.
  16. البرهان في تفسير القرآن ج 1، ص 488، والکافي ج 1، ص 230.
  17. تفسير العياشي ج 1، ص 332 والبرهان (تفسير) ج 1، ص 489.
  18. مجمع البيان ج 3، ص 223.
  19. سورة الانفال الآية 30.